مسرحية أعجبتني
القوة الثالثة
للكاتب الكبير على أحمد باكثير
نقلاً عن موقع الكاتب الكبير علي أحمد باكثير
********************************************
تخيل الكاتب علي احمد باكثير وقائعها في العصر الذري
مكانها : حصن قديم مهجور في بقعة منعزلة بجبال آسام
زمان القصة : العصر الحاضر
ابطال القصة وشخصياتها:
نيجاري: شيخ هندي متصوف اعتزل العالم في هذا الحصن منذ قيام الحرب الثانية
ويلهلم وهيلدا: عالم ألماني وزوجته كانا هاربين فآواهما نيجاري
توجو وريجا: شاب ياباني وزوجته فرا من هيروشيما بعد كارثتها الذرية
-1-
( يظهر ويلهلم في معمله العلمي بين أجهزته و آلاته و قد غرق في تفكير عميق – تدخل هيلدا متسللة في رفق حتى تقف أمام النافذة قريبًا منه )
هيلدا: ( بعد تردد ) ويلهلم! ويلهلم حبيبي العزيز!
ويلهلم: ( دون أن يلتفت إليها ) هيلدا . . . ما خطبك يا عزيزتي؟
هيلدا: ألا تستريح قليلاً يا ويلهلم؟ هذه الشمس قد أوشكت أن تغيب أفلا نستمتع معًا بشهود الغروب؟
ويلهلم: اعذريني يا هيلدا الآن فإني في شغل شاغل.
هيلدا: سيفوتك منظر الغروب الرائع!
ويلهلم: أوه . . . مالي و الغروب؟ إن طلوع شمس ألمانيا من جديد لهو المشهد الرائع الذي أشتهي أن أراه!
هيلدا: يا زوجي العزيز ذرنا نعش هنا بسلام في ضيافة هذا الشيخ الهندي الكريم
. . . دع عنك هذا التفكير في الحرب و الاشتغال باختراع آلات الدمار.
ويلهلم: يا عزيزتي هل الحرب تاركتنا إذا تركناها؟ ها هي ذي شرارتها الأولى قد انطلقت في كوريا.
هيلدا: هذه حرب أهلية لا تلبث أن تنتهي.
ويلهلم: كلا . . . إنها بداية الحرب الثالثة لا ريب ،
و على كل ألماني أن ينتهز الفرصة و يعمل لتسترد بلاده مجدها و مكانتها. يجب أن تكون المانيا فوق الجميع!
هيلدا: ماذا جنينا من كل ذلك يا ويلهم؟
لقد قام هتلر بمغامرته الطائشة فأضاع كل شيء. ترك بلاده أطلالاً و ترك قومه عبيدًا يسخرهم الأعداء من كل جنس و لون!
ويلهلم: تلك اليهودية العالمية يا هيلدا . .
هي التي ألبت الدنيا كلها علينا لأننا كنا سنكشف خداعها للعالم. ويل لليهود مني . . . لأنتقمن منهم! لأخلصن البشرية من شرورهم!
هيلدا: اخفض صوتك . . . لو سمعك نيجاري لساءه هذا منك و أغضبه.
ويلهلم: دعيني الآن من نيجاري . . إن بلاده لم يخربها اليهود.
هيلدا: ويلك تذكر يا ويلهلم نعمته علينا إذ آوانا عنده في هذه البقعة الهادئة من العالم
فلولاه لما برحنا حتى اليوم هائمين على وجوها نهرب من مكان إلى مكان خشية الوقوع في قبضة أعدائنا الشرقيين أو الغربيين
ويلهلم: إني لست أنكر فضله يا هيلدا و إني لأكن له الحب و الاحترام ما لم أكنه لأحد قط ولا للفوهرر نفسه.
هيلدا: أفلا تخلص إذن لدعوته الكبرى للسلام؟
لقد ظن هذا الرجل العظيم بعد هذه السنين الخمس التي قضيتها معه أنه قد نجح في إقناعك بفكرة السلام العالمي و الإخاء البشري
فمن نكران الجميل يا ويلهلم أن يجدك اليوم كما كنت مفتوناً بعد بالحرب و أحلامها الكاذبة! حنانيك يا عزيزي لا تخيب رجاء هذا الرجل العظيم فيك
ويلهلم: ثقي يا حبيبتي إني لن أخيب رجاءه في أبداً.
ستعلمين غداً أن هذا البحث العلمي الذي أقوم به الآن إنما أقوم به لإرضائه و تحقيق أهدافه السامية
هيا يا هيلدا دعيني الآن وحدي لأواصل عملي.
هيلدا: (في دلال) ألا تصغى يا حبيبي إلى تغريد الطيور على الشجرة؟
ويلهلم: يا حبيبتي مالي و تغريد الطيور؟ إني عنها لفي شغل.
هيلدا: تعال و انظر معي من هنا فسترى منظرا ساحراً . . .
ويلهلم: غروب الشمس؟
هيلدا: بل أبدع من ذلك و أجمل!
ويلهلم: أرجوك يا هيلدا!
هيلدا: نظرة واحدة ثم تعود إلى عملك و انصرف!
ويلهلم: أمرك (ينهض من مقعده إلى حيث تقف زوجته أمام النافذة المطلة على سفح الجبل) ماذا تريدين أن تريني يا هيلدا؟
هيلدا: انظر!
ويلهلم: أين؟
هيلدا: هناك عند تلك الشجرة الباسقة!
ويلهلم: هيه . . . لقد عرفت ما دفعك إلى اقتحام معملي في هذا الوقت!
هيلدا: أليس لك من قلب يا ويلهلم؟ أما يهزك هذا المشهد؟
ويلهلم: بلى يا حبيبتي انه لمشهد رائع (يعانقها فيقبلها طويلا).
هيلدا: ويلهلم!
ويلهلم: هيلدا! (يرسلها من بين ذراعية) هل تأذنين الآن؟
هيلدا: انظر إليهما كرة أخرى!
ويلهلم: يا حبيبتي إننا لا نستطيع أن نجاري هذين الحبيبين اليابانيين. أراهنك إنهما في عناقهما هذا منذ ثلاث ساعات أو أطول!
هيلدا: (تتضاحك) ماذا يمنعنا يا ويلهلم؟ ألسنا مثلهما زوجين حبيبين؟
ويلهلم: بلى يا هيلدا، ولكن . . .
هيلدا: لكن ماذا؟
ويلهلم: ليس في وسعنا أن نكون مثل توجو و ريجا. إن حبهما هذا حب غير عادي أنسيت أنهما نجوا من كارثة هيروشيما بقوته الخارقة؟
هيلدا: ونحن نجونا بقوة حبنا أيضا من معسكرات الاعتقال الروسية.
أو تظن يا ويلهلم أنه كان يتسنى لنا التغلب على كل تلك المصاعب و الخطوب لولا حبنا المتين؟
ويلهلم: صدقت يا حبيبتي ولكن لا يقاس أمرنا بأمر هذين اللذين كان بجوار المنطقة
التي انفجرت فيها القنبلة الذرية فدمرت كل ما حولهما وبقي كوخهما الخشبي سليماً لم يمسه سوء.
هيلدا: يخيل لي يا ويلهلم أن لو كنا في هيروشيما إذ ذاك لنجونا كما نجا توجو و ريجا.
ويلهلم: لشد ما تأثرت يا عزيزتي بصوفيه هذا الشيخ الهندي و مشاربه الروحية!
هيلدا: ما أسعدني بذلك يا ويلهلم لقد فتح هذا الشيخ عيني على ما كان محجوبا عني من جمال الحياة!
ويلهلم: (مبتسما) ما أدري يا هيلدا أنيجاري هو الذي فتح عينيك أم هذان العاشقان اليابانيان!
هيلدا: انظر إنهما قد برحا مكانهما الأول و انحدرا بعيدا في السفح.
ويلهلم: لعلهما لمحا عيون الرقيبين!
هيلدا: ماذا يمنع الرقيبين أن يكونوا شريكين؟
ويلهلم: هل تشتهين ان نلحق بهما؟
هيلدا: لا ، لا ينبغي أن نزعج خلوتهما . . . هلم بنا إلى الجانب الآخر من السفح.
ويلهلم: (يأخذها بيده) حيث تشائين يا حبيبتي . . . كما تشتهين!
هيلدا: (تتنفس الصعداء) آه يا ويلهلم لست أدري كيف أشكرك على ما تركت من أجلي عملك.
ويلهلم: عملي . . . ما أهونه يا هيلدا في سبيل عينيك هاتين! (يقبلها ثم يسحبها فيخرجان منطلقين
*****************************************
تابع الجزء الثاني من المسرحية