قصيدة أعجبتني
حلـمٌ في وطـني
قصيدة للشاعر: غطاس صالح- 26 عاما - الجزائر
نقد وتعليق الشاعر والناقد: مدحت العراقي
نشرت على موقع إسلام أون لاين
بتاريخ 1 يوليو 2006
وطني أتتك الـنّائـبات فأوجعت
وتآخذتك النّاطقات فأسمعتْ
وطني بُليتَ بمن تجلّى جرمُه
وبظلمه حكم العباد فأذعنتْ
يقضي بما يقضي العدو بخصمه
ويعوث في خيراته فتفرقتْ
وطني فجعتَ بمن ولدتَ فأهلكوا
وسواعد كانت حماك فقطّعتْ
وطني حرمت من اللسان ونفعِه
وملكتَ أصواتا تشيد فأسكتتْ
وطني رأيتك في المنام مبجَّلا
في حلة أهل لها من ألبستْ
ورأيت خيرا في ربوعك عندما
أسكنت حبك في الرجال فأخلصتْ
وزرعت بين شتاتهم ما لمّهم
واخضرّ في أغصانهم ما أورقتْ
وبنيت سقفا واحدا لكبيرهم
وصغيرهم، والعدل شمس أشرقتْ
وسقيت شعبك فارتوى حبّا، وما
صمدتْ به فتنُ الدسائس فانجلتْ
فجعلت أرضك للسّلام حمامة
ورفعت رأسك للسماء فأطرقتْ
وجعلت في أهل العداوة كالّردى
ولبستَ فيهم عزة فتفاخرتْ
وطني أتاني من رآني نائما
ويدي على خدي وعيني أخضلتْ
وحقيبتي خلفي، وفوقي معطفي
في قاعة للانتظار و قد خلتْ
فأتى وأيقظني وبادر قائلا:
"ارجع فآخر رحلة قـد أقلعتْ"
النقد والتعليق:
يقول الشاعر والناقد/ مدحت العراقي:
قصيدة حلم في وطني أعادت مأساة الجزائر بكل ما فيها من ألم ودم أمام أعيننا، ولكن نحسب أن الله سبحانه وتعالى قد صان البلاد ورحم العباد وهدأت الأوضاع واستقرت بحمد الله، ونسأل الله أن يتحقق حلمك يا غطاس.. وتعال لنعبر حلمك يا أخي الفاضل..
أولا- الوزن العروضي:
القصيدة من بحر الكامل التام (غير المجزوء)، وتفعيلته (متفاعلن ///5//5)، ولا يدخلها غير زحاف واحد هو الإضمار: أي تسكين الثاني المتحرك؛ فتصير (مستفعلن /5/5//5)، ولم يقع الشاعر إلا في خطأ عروضي واحد، عندما خلط بين زحافات الكامل ونظيرتها في بحر الرجز في البيت قبل الأخير؛ يقول الشاعر:
في قاعة للانتظا ر وقد خلت
/5/5//5 //5//5 ///5//5
فالتفعيلة الثانية هنا (متفعلن //5//5) وهي لا تأتي إلا في الرجز، وتفعيلة الرجز الأساسية (مستفعلن /5/5//5)، وتصير (متفعلن //5//5) عندما يدخلها الخبن أي حذف الثاني الساكن.
ومعلوم للجميع ـ كما كررنا مرارا ـ أن قصيدة الرجز إذا جاءت فيها تفعيلة واحدة من الكامل (متفاعلن ///5//5) صارت القصيدة كلها من الكامل، واستوجبت مراعاة زحافات وعلل الكامل، وتجنب زحافات وعلل الرجز.
ثانيا- اللغة:
استخدم الشاعر 40 فعلا ماضيا في قصيدته (15 بيتا)؛ وهذا الكم من الأفعال الماضية لا يتناسب مع الحلم الذي يحلمه الشاعر لوطنه؛ فالحلم لا يأتي إلا في المستقبل.
والشاعر هنا يبثنا شعورا يائسا، بعد أن رفض كل السلبيات التي تمارس في وطنه -عندما كتب القصيدة في مطلع 2002م- وعلى رأسها إراقة الدم البريء الطاهر دونما هدف.
والمعروف أنه عندما يحكي الناس مناماتهم يقولون: رأيت، وفعلت.. بالأفعال الماضية؛ ولكنهم جميعا عندما يفسرون أحلامهم يقولون: سيحدث كذا وستصبح كذا... بأفعال تبدأ بـ (السين وسوف) التي تدل على الزمن المستقبل..
ووقع الشاعر في خطأ لغوي:
يقول الشاعر في البيت الثالث: " ويعوث في خيراته" يريد بذلك (يفسد)
والصواب أن يقول "يعيث"؛ حيث (عاث: عيثا، وعيوثا: أفسد) كما ورد في المعجم الوسيط، بينما يقال: عاثه عن الأمر عوثا، أي صرفه عنه حتى تحير؛ فقل "يعيث" بمعنى يفسد، ولا تقل "يعوث" بمعنى يصرف أو يشغل.
في القصيدة مجموعتان لفظيتان تعبران عن الفكرتين الرئيستين في القصيدة:
مجموعة ألفاظ الألم والحزن:
(النائبات، أوجعت، بليت، تفرقت، فجعت، أهلكوا، قطعت، حرمت، شتاتهم، فتن، الدسائس، الردى، أخضلت...).
ومجموعة ألفاظ الأمل والحلم:
(خيرات، خيرا، زرعت، أخضر، أورقت، بنيت، العدل شمس أشرقت، سقيت، ارتوى، حبا، صمدت، السلام، رفعت رأسك، عزة، تفاخر...).
وتداخل ألفاظ المجموعتين يدل على اضطراب الشاعر وحيرته بين الألم والأمل، والواقع المرير والحلم السعيد..
والقصيدة تنقسم إلى ثلاثة مقاطع:
الأول: خمسة أبيات (1- 5) وتعبر عن الواقع المرير.
الثاني: سبعة أبيات (6- 12) المنام (الحلم).
الثالث: ثلاثة أبيات (13- 15) عودة إلى الواقع.
وكل مقطع من المقاطع الثلاثة تبدأ بكلمة (وطني) التي استخدمت في القصيدة ست مرات..
والملاحظ أن الشاعر استخدم أربعة أفعال ماضية بعد هذه الكلمة التي جاءت (4 مرات) في المقطع الأول، واستخدم معها كاف الخطاب مرة واحدة (وطني أتتك)، وتاء المخاطب المفتوحة ثلاث مرات (وطني بليتَ، وطني فجعتَ، وطني حرمتَ) وهذا يناسب الحكاية والحوار الدائر بينه وبين الوطن..
وفي بداية المقطع الثاني: استخدم (وطني رأيتك) وهذا يناسب الحلم..
وفي بداية المقطع الثالث: استخدم (وطني أتاني) وهذا يناسب مفاجأة إسدال الستار على الحلم والعودة إلى الواقع.
ولعل شاعرنا غطاس صالح، إذا دأب على القراءة المتأنية، خاصة في شعر أصحاب التصوير الفني الراقي، بدا له كيف يستطيع الشاعر الرسم بريشة الكلمات، فالشعر لغة تصويرية، وبدا له أيضا لماذا أخرت الحديث عن التصوير الفني، لأنني أنتظر قصائدك التالية، التي تزخر بالتصوير الفني الراقي، وأعرف أنك على ذلك لقدير إن شاء الله، وفي انتظار قصائدك يا غطاس..